الجزء الأول
في هذه الكلمات التي لم تلِق بحق أن أوصف وطني بها، لكن رغمَ تواضع الكلمات أمام إجلال هذا الوطن وددت أن أحدثكم عنه وأكتبها بدموعٍ أثقلتني وابتسامةٍ ملَأتْ أركان صدري.
الوطن عندنا ليس حفنة من التراب كما يظنون، الوطن عندنا شعبٌ وماءٌ وزرعٌ وأرضٌ رُويت بالدماء. الوطن عندنا أمٌ تلبس ذاك الطفل حقيبته وتصطحبه إلى المدرسة صباحاً، الوطن عندنا أبٌ يستيقظ صباحاً ليخرج إلى وظيفته ليعود بالطعام مساءً إلى البيت، الوطن عندنا طفلةٌ صغيرةٌ تنتظر أباها ليعود للمنزل بالحلوى والألعاب كل يوم، الوطن عندنا عسكرٌ يُرابط بدعاء الشيوخ كل يوم، الوطن عندنا مآذن تكبّر خمسَ مراتٍ كل يوم، وحشودٌ تجتمع كل جُمعةٍ في بيوت الله، الوطن عندنا دموع فتاةٍ تنتظر خطيبها ليعود من خدمته العسكرية فيأخذها عروساً إلى منزله، الوطن عندنا أمٌ قد هرمت وتأبى أن تأكل دون اجتماع كلّ أبنائها على العشاء، الوطن بستانٌ يلعب فيه الفتيان كل عصرٍ رياضةً مختلفة، الوطن حديقةٌ تغدي بها الفتيات كل مساءٍ، الوطن عرقٌ سقط من جبين العمّال ليجنوا بتعبهم مالاً حلالاً يُطعمون به أهلهم، الوطن حبرٌ بقلم ذاك الشاعر وصورةٌ بعدسةِ ذلك الصحفي، الوطن عندنا وردةٌ حمراء تفتحت فملأت الأركان عطراً وجمالاً، الوطن جنّةٌ في الدنيا لمَن دخلها، وعزاءٌ لم فارقها وحزنٌ لا ينتهي وألم لا يندمل لمن هجرها ورحل عنها.
الوطن فتوحاتٌ كانت بالأمس في القدس والقسطنطينية و الشام ومصر والأندلس، الوطن سيوفٌ تكسرت بيد خالد بن الوليد، ورماح قذفت بين أضلعِ الأعداء، وسهامٌ اخترقت تلك الدروع، وجثثٌ ملأت ساحات المعركة أرادت حين كانت حيّةً إغتصابه، الوطن صيحات أرعبت ذاك المغتصب وقتلته خوفاً، الوطن تكبيراتٌ وتهليلاتٌ وسيوفٌ مرفوعةٌ عند كل انتصار. الوطن جيوشٌ انطلقت إلى القدس في عهد صلاح الدين، وجيوشٌ فتحت القسطنطينية في عهد محمد بن مراد، وجيوشٌ غزت مشارق الأرض ومغاربها في كلّ زمنٍ سابقٍ غير بعيد.
الوطن عندنا ثورةٌ تدوم وتدوم وتدوم وتأبى أن تزول، ثورةٌ جادت بآلاف أبنائها ولم تكتفِ، ثورةٌ سقط فيها ذلك المنزل الذي كان يعود إليه الأب وتنتظرُ فيه الطفلة والأم، ويربى فيه الصحفي والعامل، ويجتمع فيه الأبناء والأحفاد على العشاء في يوم الجمعةِ. نعم قد سقط وهبط وعلى الطفلة فقتلها وقتل الأم والأبناء وبقي الأبُ يبكي ولا يعود..، هو ثورةٌ وقفت بوجه أعتى الظلمة والطغات وقالت له قِف لا مكان للفساد بيننا، هو ثورةٌ انتكستْ في كثيرٍ من الأزمنة وفقدت أعلاماً لها لكنها لم تركن وتقف، ثورةٌ يحلم مَن بقيَ من أبنائها بالحرية والحياة بحقوقهم وواجباتهم ولن يكتفوا ولن يكلّوا حتى يصلوا إلى مبتغاهم وهدفهم... والكثير الكثير عن وطني لم أستطع جمعه وكتابته.. لكنني تعبت ولم أستطع أن أوصف سوى حفنة من تراب وطني مقارنةً بما يجب أن يُكتب في وطني، فحافظوا على هذا الوطن الذي لا مثيل له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق